لم تكن حادثة المعادي في القاهرة الأسبوع الماضي الأولى من نوعها، ولن تكون بالطبع الأخيرة، وعليه وجب الركون إلى خطوات علميّة ناجعة تساهم بتخفيض نسب الإعتداء الجنسي على الأطفال بعد وقوعه من جهة، وفرض سياسات وقائية لتفادي تصاعد أرقام الإعتداءات من جهة ثانية. على الصعيدين النفسي والمجتمعي هناك ما يمكن القيام به، وهذا بالطبع لا ينفصل عن المسارات القضائية. تلازم المسارات وتكاملها لا بدّ له أن يحارب ظاهرة الـPidolphilia كما ينبغي، فما هي السبل إلى ذلك؟.
من حيث التعريف؛ فإن البيدوفيليا هي نوع من اضطرابات الشذوذ الجنسي، وهي الخيالات والافعال التي تتضمن نشاطات جنسيّة مع اطفال لا تتجاوز اعمارهم ١٣ سنة، وسواء تمّ التحرش أم لم يتمّ فليس كل مشتهي أطفال هو متحرّش، وبالتالي يكون ممتلكاً لتوجّهات بيدوفيلية وليس اضطراب البيدوفيليا.
في هذا الإطار، توجد اشكالية في محاولة تقدير مدى انتشار هذه الظاهرة نظرًا لأن اكتشاف هذا الاضطراب يتمّ في أعقاب الدعاوى القضائيّة ضد المعتدي؛ لكن التقديرات تشير الى ان نحو ١٥%-٢٠% من الاطفال سبق وتعرّضوا لتحرّش جنسي قبل بلوغهم ١٨ عامًا. هذا وتشير الإحصائيّات إلى أنّ الغالبيّة العظمى من المعتدين هم من الرجال. كما تشير بعض الابحاث ان الاضطراب يظهر لدى صاحبه في سن المراهقة، كذلك فان الاعتداء على الاطفال يكون غالبًا من خلال الملاطفة ولمس الاماكن الحساسة، في حين ان (٢%-٨%) من حالات الاعتداء تضمّنت اتصالًا جنسيًا كاملًا، مع الإشارة إلى أن أغلبية المعتدين لم يمارسوا العنف.
وعادة ما يرتبط وجود هذا الاضطراب مع اضطرابات اخرى كالهلع (panic attack) واضطرابات السيطرة على الانفعالات impulsive control disorder وحتى هوس السرقة (kleptomania) والادمان على المخدرات، بالاضافة الى اضطرابات تتعلق بالرغبة الجنسيّة. فعلى سبيل المثال ٧٠% من المصابين بهذا الاضطراب وجد لديهم اضطراب الرغبة بالتعرّي واستراق النظر (البصبصة) بالاضافة الى اضطراب الشخصية المعادية Antisocial والوسواس القهري(OCD).
وعند البحث عن الأسباب يتبيّن أنه ليس هناك من سبب علمي مؤكّد وحاسم، فكل المحاولات في العثور على اسباب بيوكيمائية وهرمونية Endocrinology باءت بالفشل. لكن هناك معطيات قد تكون كافية لوجود فرضيّة معيّنة تتعلق بالأسباب، وهو ان نسبة كبيرة من أصحاب اضطراب البيدوفيليا قد تعرضوا للاعتداءات الجنسية خلال مرحلة الطفولة (أكثر من ٥٠%)، بالاضافة الى أن هناك اختلافًا فيزيولوجيًا لدى المصابين بعشق الاطفال عن سائر الأشخاص، وهو ان عتبة الاستثارة الجنسية عالية جدًا، حيث تم الكشف مؤخرًا عن وجود أنماط شاذّة من النشاط الدماغي في المناطق المرتبطة بالشغف والاثارة الجنسيّة، مما قد يكون تولّد نتيجة اصابة جنسيّة مبكرة تؤدّي لنموّ غير سليم في قشرة الدماغ. كما أن نماذج التعلّم السلوكي تشير إلى انّ الطفل الذي يكون ضحيّة، او يشاهد سلوكًا جنسيًا غير سويّ، سيقلّد ما شاهده مما يعزز هذا السلوك، وقد يكون سببًا باشباع رغبة استخدام الاطفال كنوع من الانتقام من المجتمع عما حصل له في طفولته. ويرجح ايضًا ان يكون شخصًا انطوائيًا ولديه شعور بالنقص تجاه الجنس الاخر، وكذلك تقدير منخفض للذات، إضافة إلى تجارب سيئة وأزمات علائقية مع الجنس الاخر في سن المراهقة، دون إغفال الحرمان العاطفي ومعاملة سيئة في مرحلة الطفولة. هذا وتوجد نظريات حول أمكانيّة وجود الاضطراب من خلال الوراثة في العوائل.
كل هذا يدور في اطار اللاحتمية بين العوامل المسببة والنتيجة بحصول ذلك الاضطراب، فكل هذه الاحتمالات تبقى حتى الآن ضمن اطار فرضيّات مرجّحة لسبب حدوث الاضطراب، أقل ما يقال أنه خطر ومدمّر لأحد أفراد المجتمع الذين قد يخفون انجذاباتهم الشاذّة بشكل جيد، ويخدعون مجتمعهم أحيانًأ كثيرة بسلوك أخلاقي ومقبول اجتماعيًا، ففي كثير من الاحيان هم متزوجون ورجال اعمال وحتى بالظاهر احيانًا متديّنون وهنا يكمن الخطر بصورة أوضح.
هذا ويدرك مشتهو الأطفال ان فكرة اقترابهم من طفل في الحياة الواقعية هو امر غير مقبول اخلاقيًا، ويعون انّ اتّجاه رغباتهم الجنسيّة له قيود اجتماعية تفرض عليهم عدم اظهارها، فبالرغم من عدم اختيارهم للانجذاب نحو الاطفال فهناك ما هو إرادي بهذه الخطوة، وهو كيفيّة السيطرة على الرغبة بعدم ممارستها ضمن السلوك الذي قد يتشكل بظاهرة سفاح القربى احيانًا. فمن ناحية علميّة فان التقديرات تشير إلى انّ الرجال الذين تتراوح اعمارهم بين ١٢ و٤٠ سنة يفكرون بالجنس حوالي ٦ مرّات بالساعة، مقسّمين حسب الفئات العمريّة، وإنّ ما يميز بينهم هو مقدار سيطرتهم على رغباتهم الجنسيّة. كذلك لا يزال من غير الواضح سبب تصرف بعض الاشخاص على اساس رغباتهم (المنحرفة) وامتناع البعض الاخر عن ذلك، مما يُظهر الاختلاف في سلم الاخلاقيات (الأنا الأعلى) ومستوى العقلنة للسلوكيات والادراك المختلف والمخطّطات الفكريّة المختلفة فيما بينهم.
هذا ويعتبر علاج اضطراب البيدوفيليا امرًا صعبًا من حيث تجربة طرق علاج كثيرة، منها النفسية والدوائية، لكنها لم تكن ناجحة كلياً، الا ان استخدام طرق علاجيّة مؤخّرا تضمن حقن مواد تشبه احد الهرمونات الموجودة في الجسم تساعد على خفض مستويّات الهرمونات الجنسية في الدم، يأتي مصحوبًا بالعلاج النفسي وقد يثمر نتائج ايجابية.
على صعيد متصل فإن انزال العقوبات والقوانين الصارمة بحق مرتكبي التحرش قد تؤدي الى انخفاض النسبة، بالاضافة الى حملات توعية واسعة للاطفال وبطرق ارشاد مناسبة لاعمارهم، من أجل تشجيعهم على الإخبار وكيفيّة التصرّف في حال تعرضهم لذاك السلوك (الصراخ، الهروب، عدم السماح باللمس). وللأهل دور بضرورة تنبيه الاطفال لتفاصيل سلوكية كعدم تبديل او خلع الملابس امام أحد ولو كان من افراد العائلة وعدم السماح باللمس وابقاء مسافة بينهم وبين الاخرين.
إن اضطراب اشتهاء الأطفال هو مزيج نفسي وأخلاقي وجب معالجته، وإن فهم الأسباب الموصلة إليه كفيل بتحديد مسارات معالجة الآفة في المجتمعات. النجاح مرهون بالإرادة والمجهود والعبرة في المحاولة.